للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيُقَالُ: لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ اعْتِرَافٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَنِي مِنْ الشَّرِّ كَانَ بِذَنْبِي فَأَصْلُ الشَّرِّ هُوَ الذَّنَبُ وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضُّرِّ وَالِاسْتِغْفَارُ جَاءَ بِالْقَصْدِ الثَّانِي فَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ طَلَبِ كَشْفِ الضُّرِّ لِاسْتِشْعَارِهِ أَنَّهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضُّرَّ عَلَى نَفْسِهِ فَنَاسَبَ حَالَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَرْفَعُ سَبَبَهُ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِظُلْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْعَبْدِ الْمَكْرُوبِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي؛ بِخِلَافِ كَشْفِ الْكَرْبِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ لَهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إذْ النَّفْسُ بِطَبْعِهَا تَطْلُبُ مَا هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ مِنْ زَوَالِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْحَالِ قَبْلَ طَلَبِهَا زَوَالَ مَا تَخَافُ وُجُودَهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْمَغْفِرَةُ وَطَلَبُ كَشْفِ الضُّرِّ فَهَذَا مُقَدَّمٌ فِي قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَبْلَغُ مَا يُنَالُ بِهِ رَفْعُ سَبَبِهِ فَجَاءَ بِمَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَهُ. وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: (سُبْحَانَكَ) فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الرَّبِّ وَتَنْزِيهَهُ وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَنْ الظُّلْمِ وَالْعُقُوبَةِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ يَقُولُ: أَنْتَ مُقَدَّسٌ وَمُنَزَّهٌ عَنْ ظُلْمِي وَعُقُوبَتِي بِغَيْرِ ذَنْبٍ؛ بَلْ أَنَا الظَّالِمُ الَّذِي ظَلَمْتُ نَفْسِي. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} وَقَالَ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} وَقَالَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} .