للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهَا: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ كَمَا يَمْلِكُ النَّاسُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا كَمَا يَتَصَرَّفُ الْمُلُوكُ فِي مُلْكِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوا أَمْوَالَهُمْ فِي الْمُبَاحَاتِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ فَيَصْرِفَهُ فِي أَغْرَاضِهِ الْخَاصَّةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ فَيَصْرِفَهُ فِي مَصْلَحَةِ مِلْكِهِ وَهَذِهِ حَالُ النَّبِيِّ الْمَلِكِ كدَاوُد وَسُلَيْمَانَ. قَالَ تَعَالَى: {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَيْ أَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَاحْرِمْ مَنْ شِئْتَ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ وَنَبِيُّنَا كَانَ عَبْدًا رَسُولًا لَا يُعْطِي إلَّا مَنْ أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ وَلَا يَمْنَعُ إلَّا مَنْ أُمِرَ بِمَنْعِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ إلَّا فِي عِبَادَةٍ لِلَّهِ وَطَاعَةٍ لَهُ. (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ وَلَوْ كَانَ مَلِكًا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُورَثُونَ فَإِذَا كَانَ مُلُوكُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُونُوا مُلَّاكًا كَمَا يَمْلِكُ النَّاسُ أَمْوَالَهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ صَفْوَةُ الرُّسُلِ الَّذِي هُوَ عَبْدٌ رَسُولٌ مَالِكًا. (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَيَصْرِفُ سَائِرَ الْمَالِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَا يَسْتَفْضِلُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ حَالُ الْمُلَّاكِ بَلْ الْمَالُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ كُلُّهُ هُوَ مَالُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي طَاعَتِهِ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي قِسْمِهِ كَمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي سَائِرِ مَا يَأْمُرُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ.