للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) : أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ تَائِبٍ وَتَائِبٍ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّائِبِينَ فَرْقٌ لَا أَصْلَ لَهُ؛ بَلْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ سَوَاءٌ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ مَا أَتَوْهُ ذَنْبًا أَوْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَتَاهُ ذَنْبًا ثُمَّ تَابَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَدِّلَ وَصْفَهُ الْمَذْمُومَ بِالْمَحْمُودِ؛ فَإِذَا كَانَ يُبْغِضُ الْحَقَّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّهُ وَإِذَا كَانَ يُحِبُّ الْبَاطِلَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَهُ. فَمَا يَأْتِي بِهِ التَّائِبُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَمَحَبَّتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمِنْ بُغْضِ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابِهِ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهَا، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ كَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَأْتِي بِهِ الْعَبْدُ مِنْ محابه فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ فِعْلًا لِمَحْبُوبِ الْحَقِّ كَانَ الْحَقُّ أَعْظَمَ مَحَبَّةً لَهُ وَانْتِقَالُهُ مِنْ مَكْرُوهِ الْحَقِّ إلَى مَحْبُوبِهِ مَعَ قُوَّةِ بُغْضِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَاطِلِ وَقُوَّةِ حُبّ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ حُبّ الْحَقِّ؛ فَوَجَبَ زِيَادَةُ مَحَبَّةِ الْحَقِّ لَهُ وَمَوَدَّتِهِ إيَّاهُ؛ بَلْ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ لِأَنَّهُ بَدَّلَ صِفَاتِهِ الْمَذْمُومَةَ بِالْمَحْمُودَةِ فَيُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ. فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ إتْيَانُ التَّائِبِ بِمَا يُحِبُّهُ الْحَقُّ أَعْظَمَ مِنْ إتْيَانِ غَيْرِهِ كَانَتْ مَحَبَّةُ الْحَقِّ لَهُ أَعْظَمَ وَإِذَا كَانَ فِعْلُهُ لِمَا يَوَدُّهُ اللَّهُ مِنْهُ أَعْظَمَ مِنْ فِعْلِهِ لَهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ كَانَتْ