للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا يُعَاقَبُ الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدَعِ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ السَّاكِتُ وَيُعَاقَبُ مَنْ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ مَنْ اسْتَخْفَى بِهِ وَنُمْسِكُ عَنْ عُقُوبَةِ الْمُنَافِقِ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الَّذِي يَجْزِي النَّاسَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ يَجْزِيهِمْ أَيْضًا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَعُقُوبَتُنَا لِلْعِبَادِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ بِحَسَبِ إمْكَانِنَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَقَالَ: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} . وَلِهَذَا مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُحَارِبِينَ وَسَائِرِ الْفُسَّاقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي لِحَقِّ اللَّهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عَصَمَ دَمَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالشَّارِبُ إذَا تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالتَّوْبَةِ وَأَمَّا إذَا تَابُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْعُقُوبَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْحُدُودِ وَحُصُولِ الْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا؛ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ عِنْدَ الْقِتَالِ صَحَّ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ