للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِدَلِيلِ يَنْقَدِحُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ وَهَذَا أَحَدُ مَا فُسِّرَ بِهِ مَعْنَى " الِاسْتِحْسَانِ ". وَقَدْ قَالَ مَنْ طَعَنَ فِي ذَلِكَ - كَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ -: مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ فَهُوَ هَوَسٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ إبَانَةَ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِقَلْبِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُبَيِّنُهَا بَيَانًا نَاقِصًا وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ يُلْقَى فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ حَرَامٌ أَوْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَبِالْعَكْسِ قَدْ يُلْقَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةُ شَخْصٍ وَأَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَالَ حَلَالٌ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانَ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لَكِنْ إنَّ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ تَرْجِيحًا لِطَالِبِ الْحَقِّ إذَا تَكَافَأَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ الظَّاهِرَةُ. فَالتَّرْجِيحُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ قَطْعًا فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا بَاطِلَةٌ قَطْعًا. كَمَا قُلْنَا: إنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ ظَاهِرٍ أَوْ قِيَاسٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ بِنَقِيضِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَكَافُؤُ الْأَدِلَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ قَدْ تَتَكَافَأُ عِنْدَ النَّاظِرِ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّرْجِيحِ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ بَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ عَالِمٍ بِالْحَقِّ الْبَاطِنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَزِيَّةٌ فِي عِلْمٍ وَلَا عَمَلٍ فَهَؤُلَاءِ