إلَى مَنْ تَوَلَّاهُ أَوَّلًا فَيَتَوَلَّاهُ آخِرًا. كَمَا كَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِك مُغَيَّبًا فِي الرَّحِمِ وَكَوْنِك رَضِيعًا طِفْلًا فِي مَهْدِك ". قُلْت: وَهَذَا لِأَنَّ النَّفْسَ تَهْوَى وُجُودَ مَا تُحِبُّهُ وَيَنْفَعُهَا، وَدَفْعَ مَا تُبْغِضُهُ وَيَضُرُّهَا فَإِذَا فَنِيَ عَنْ ذَاكَ بِالْأَمْرِ فَعَلَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَتَرَكَ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ فَاعْتَاضَ بِفِعْلِ مَحْبُوبِ اللَّهِ عَنْ مَحْبُوبِهِ وَبِتَرْكِ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ عَمَّا يُبْغِضُهُ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّفْسُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ. وَ " الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ " ذَكَرَ هُنَا التَّوَكُّلَ دُونَ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ، وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَكِّلَةً عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَاثِقَةً بِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ ذَلِكَ فَتَمْتَثِلُ الْأَمْرَ مُطْلَقًا؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَعْصِيَ الْأَمْرَ فِي جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ فَلَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ لِلَّهِ، وَطَاعَةُ أَمْرِهِ بِدُونِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا} {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} . وَ (الْمَقْصُودُ) أَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute