للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ} . " فَالْمُسْتَغْنِي " لَا يَسْتَشْرِفُ بِقَلْبِهِ و " الْمُسْتَعِفُّ " هُوَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ بِلِسَانِهِ و " الْمُتَصَبِّرُ " هُوَ الَّذِي لَا يَتَكَلَّفُ الصَّبْرَ. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ. وَهَذَا كَأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الصَّبْرِ عَلَى الْفَاقَةِ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَرَارَةِ الْحَاجَةِ لَا يَجْزَعُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ الْفَقْرِ وَهُوَ الصَّبْرُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} . و " الضَّرَّاءُ " الْمَرَضُ. وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى مَا اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ حَاجَةٍ وَمَرَضٍ وَخَوْفٍ. وَالصَّبْرُ عَلَى مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ كَالْجِهَادِ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمَرَضِ الَّذِي يُبْتَلَى بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ وَلِذَلِكَ إذَا اُبْتُلِيَ بِالْعَنَتِ فِي الْجِهَادِ فَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصَّبْرَ مِنْ تَمَامِ الْجِهَادِ. وَكَذَلِكَ لَوْ اُبْتُلِيَ فِي الْجِهَادِ بِفَاقَةِ أَوْ مَرَضٍ حَصَلَ بِسَبَبِهِ كَانَ الصَّبْرُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ. كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ. وَكَذَلِكَ مَا يُؤْذَى الْإِنْسَانُ بِهِ فِي فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ