للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ فَعَلَ؛ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَلَا يُقَالُ لِصَاحِبِهِ: لَا تَتَّبِعْ هَوَاك. وَأَيْضًا فَالْفِعْلُ الْمُرَادُ الْمُشْتَهَى الَّذِي يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ هُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَتِهِ وَهَوَاهُ؛ فَلَيْسَتْ الشَّهْوَةُ وَالْهَوَى تَابِعَةً لَهُ؛ فَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ هُوَ اتِّبَاعُ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَإِذَا جَعَلْت الشَّهْوَةَ بِمَعْنَى الْمُشْتَهَى كَانَ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ فِي الْخَارِجِ مَا يُشْتَهَى وَالْإِنْسَانُ يَتْبَعُهُ كَالْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبَةِ أَوْ الطَّعَامِ الْمَطْلُوبِ وَإِنْ سُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ شَهْوَةً وَالطَّعَامُ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي} أَيْ يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ؛ وَهُوَ إنَّمَا يَتْرُكُ مَا يَشْتَهِيهِ كَمَا يَتْرُكُ الطَّعَامَ؛ لَا أَنَّهُ يَدَعُ طَعَامَهُ بِتَرْكِ الشَّهْوَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ تِلْكَ مَخْلُوقَةٌ فِيهِ مَجْبُولٌ عَلَيْهَا؛ وَإِنَّمَا يُثَابُ إذَا تَرَكَ مَا تَطْلُبُهُ تِلْكَ الشَّهْوَةُ. وَ " حَقِيقَةُ الْأَمْرِ " إنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ: فَمَنْ اتَّبَعَ نَفْسَ شَهْوَتِهِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ مَا يَشْتَهِيهِ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ اتَّبَعَ الْهَوَى الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ مَا يَهْوَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْإِرَادَةِ وَاتِّبَاعُ الْإِرَادَةِ هُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهَا وَفِعْلُ مَا تَطْلُبُهُ كَالْمَأْمُورِ الَّذِي يَتْبَعُ أَمْرَ أَمِيرِهِ؛ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَصَوَّرَ مُرَادَهُ الَّذِي يَهْوَاهُ وَيَشْتَهِيهِ فِي نَفْسِهِ وَيَتَخَيَّلُهُ قَبْلَ فِعْلِهِ. فَيَبْقَى ذَلِكَ الْمِثَالُ كَالْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ يَتْبَعُهُ حَيْثُ كَانَ؛ وَفِعْلُهُ فِي الظَّاهِرِ