للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ أَنَّ النَّفْسَ الصَّافِيَةَ الَّتِي فِيهَا رِقَّةُ " الرِّيَاضَةِ " وَلَمْ تَنْجَذِبْ إلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ انْجِذَابًا تَامًّا وَلَا قَامَ بِهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ مَا يَصْرِفُهَا عَنْ هَوَاهَا مَتَى صَارَتْ تَحْتَ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ اسْتَوْلَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ عَلَيْهَا كَمَا يَسْتَوْلِي السَّبُعُ عَلَى مَا يَفْتَرِسُهُ؛ فَالسُّبُعُ يَأْخُذُ فَرِيسَتَهُ بِالْقَهْرِ وَلَا تَقْدِرُ الْفَرِيسَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ كَذَلِكَ مَا يُمَثِّلُهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الصُّوَرِ الْمَحْبُوبَةِ تَبْتَلِعُ قَلْبَهُ وَتَقْهَرَهُ فَلَا يَقْدِرُ قَلْبُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ فَيَبْقَى قَلْبُهُ مُسْتَغْرِقًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَعْظَمَ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْفَرِيسَةِ فِي جَوْفِ الْأَسَدِ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوبَ الْمُرَادَ هُوَ غَايَةُ النَّفْسِ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٌ قَاهِرٌ. وَ " الْقَلْبُ " يَغْرَقُ فِيمَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ: إمَّا مِنْ مَحْبُوبٍ وَإِمَّا مِنْ مَخُوفٍ كَمَا يُوجَدُ مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالصُّوَرِ، وَالْخَائِفُ مِنْ غَيْرِهِ يَبْقَى قَلْبُهُ وَعَقْلُهُ مُسْتَغْرِقًا فِيهِ كَمَا يَغْرَقُ الْغَرِيقُ فِي الْمَاءِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا مَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ الْأَجْسَامِ وَالْقُلُوبِ يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا مَا يَتَمَثَّلُ لَهَا مِنْ الْمَخَاوِفِ وَالْمَحْبُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فَالْمَحْبُوبُ يَطْلُبُهُ وَالْمَكْرُوهُ يَدْفَعُهُ وَالرَّجَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْبُوبِ، وَالْخَوْفُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَكْرُوهِ وَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا اللَّهُ وَلَا يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ إلَّا اللَّهُ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} .