الْمَالُ إذَا نَمَا. وَلَنْ يَنْمُوَ الْخَيْرُ إلَّا بِتَرْكِ الشَّرِّ وَالزَّرْعُ لَا يَزْكُو حَتَّى يُزَالَ عَنْهُ الدَّغَلُ فَكَذَلِكَ النَّفْسُ وَالْأَعْمَالُ لَا تَزْكُوَا حَتَّى يُزَالَ عَنْهَا مَا يُنَاقِضُهَا وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَزَكِّيًا إلَّا مَعَ تَرْكِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهُ يُدَنِّسُ النَّفْسَ وَيُدَسِّيهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: (دَسَّاهَا جَعَلَهَا ذَلِيلَةً حَقِيرَةً خَسِيسَةً وَقَالَ الْفَرَّاءُ: دَسَّاهَا؛ لِأَنَّ الْبَخِيلَ يُخْفِي نَفْسَهُ وَمَنْزِلَهُ وَمَالَهُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ أَخْفَاهَا بِالْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَةِ فَالْفَاجِرُ دَسَّ نَفْسَهُ؛ أَيْ قَمَعَهَا وَخَبَّاهَا وَصَانِعُ الْمَعْرُوفِ شَهَرَ نَفْسَهُ وَرَفَعَهَا وَكَانَتْ أَجْوَادُ الْعَرَبِ تَنْزِلُ الرُّبَى لِتُشْهِرَ أَنْفُسَهَا وَاللِّئَامُ تَنْزِلُ الْأَطْرَافَ وَالْوُدْيَانَ فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيَشْرَحُ الصَّدْرَ بِحَيْثُ يَجِدُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ اتِّسَاعًا وَبَسْطًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا اتَّسَعَ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ بَسَطَهُ اللَّهُ وَشَرَحَ صَدْرَهُ. وَالْفُجُورُ وَالْبُخْلُ يَقْمَعُ النَّفْسَ وَيَضَعُهَا وَيُهِينُهَا بِحَيْثُ يَجِدُ الْبَخِيلُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ ضَيِّقٌ. وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَقَالَ: {مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اُضْطُرَّتْ أَيْدِيهمَا إلَى تَرَاقِيهِمَا. فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةِ اتَّسَعَتْ وَانْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ. وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةِ قلصت وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا وَأَنَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ فِي جَيْبِهِ فَلَوْ رَأَيْتهَا يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ} أَخْرَجَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute