نَصِيبًا لَوْ أَلْقَانِي فِي النَّارِ لَكُنْت بِذَلِكَ رَاضِيًا. فَهَذَا الْكَلَامُ مَأْثُورٌ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ بِالْإِسْنَادِ؛ وَلِهَذَا أَسْنَدَهُ عَنْهُ القشيري مِنْ طَرِيقِ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ بِخِلَافِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُسْنَدْ عَنْهُ. فَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ. ثُمَّ إنَّ القشيري قَرَنَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ بِكَلِمَةِ أَحْسَنَ مِنْهَا فَإِنَّهُ قَبِلَ أَنْ يَرْوِيَهَا قَالَ: وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ الحيري النَّيْسَابُورِيّ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَسْأَلُك الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ} فَقَالَ: لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا. فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُثْمَانَ كَلَامٌ حَسَنٌ سَدِيدٌ. ثُمَّ أُسْنِدَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ عَرَفْت طَرَفًا مِنْ الرِّضَا. لَوْ أَنَّهُ أَدْخَلَنِي النَّارَ لَكُنْت بِذَلِكَ رَاضِيًا. فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ لَيْسَ هُوَ رِضًا. وَإِنَّمَا هُوَ عَزْمٌ عَلَى الرِّضَا وَإِنَّمَا الرِّضَا مَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ هَذَا عَزْمًا فَالْعَزْمُ قَدْ يَدُومُ وَقَدْ يَنْفَسِخُ وَمَا أَكْثَرُ انْفِسَاخِ الْعَزَائِمِ خُصُوصًا عَزَائِمَ الصُّوفِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: بِمَاذَا عَرَفْت رَبَّك؟ قَالَ: بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَنَقْضِ الْهِمَمِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute