للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَعَمِلْت مِثْلَ مَا عَمِلَ فَإِنَّ تَمَنِّي الْكَبَائِرِ لَيْسَ عُقُوبَتُهُ كَعُقُوبَةِ فَاعِلِهَا بِمُجَرَّدِ التَّكَلُّمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ} لَا يُنَافِي الْعُقُوبَةَ عَلَى الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا الْفِعْلُ فَإِنَّ " الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ " هِيَ الَّتِي يَقْتَرِنُ بِهَا الْمَقْدُورُ مِنْ الْفِعْلِ وَإِلَّا فَمَتَى لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا الْمَقْدُورُ مِنْ الْفِعْلِ لَمْ تَكُنْ جَازِمَةً فَالْمُرِيدُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ الْعَازِمُ عَلَى ذَلِكَ مَتَى كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً عَازِمَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مِنْ الْفِعْلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُقَرِّبُهُ إلَى جِهَةِ الْمَعْصِيَةِ: مِثْلَ تَقَرُّبِ السَّارِقِ إلَى مَكَانِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ وَمِثْلَ نَظَرِ الزَّانِي وَاسْتِمَاعِهِ إلَى الْمَزْنِيِّ بِهِ وَتَكَلُّمِهِ مَعَهُ وَمِثْلَ طَلَبِ الْخَمْرِ وَالْتِمَاسِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ بَلْ مُقَدِّمَاتُ الْفِعْلِ تُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: {الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَزِنَاهُ النُّطْقُ وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْمَشْيُ وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ} وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: {إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟