للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ اعْتِقَادَ أَنْ يَكُونُوا خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ خَلَقَهُمْ أَمْ خَلَقُوا هُمْ أَنْفُسَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: لَمَّا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ أَحْسَسْت بِفُؤَادِي قَدْ انْصَدَعَ. وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُومُ شَيْئًا لَمْ يَتِمَّ الْإِنْكَارُ إذَا جَازَ أَنْ يُقَالَ مَا خُلِقُوا إلَّا مِنْ شَيْءٍ لَكِنْ هُوَ مَعْدُومٌ فَيَكُونُ الْخَالِقُ لَهُمْ شَيْئًا مَعْدُومًا. وَقَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُومُ شَيْئًا لَكَانَ التَّقْدِيرُ: لَا يُظْلَمُونَ مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يظلموه فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الزَّلْزَلَةِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ لَيْسَ إخْبَارًا عَنْ الزَّلْزَلَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ السَّاعَةُ لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْعِلْمِ وَالتَّقْدِيرِ. وقَوْله تَعَالَى {إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّيْءَ وَأَنَّهُ يُكَوِّنُهُ وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْعَدَمِ وَإِنَّمَا يُرَادُ وُجُودُهُ لَا عَيْنُهُ وَنَفْسُهُ وَالْقُرْآنُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ نَفْسَهُ تُرَادُ وَتَكُونُ وَهَذَا مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَعَامَّةُ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ مَجْعُولَةٌ وَأَنَّ مَاهِيَّةَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ وُجُودِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ وُجُودُ الشَّيْءِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَاهِيَّتِهِ بَلْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ وَهُوَ عَيْنُهُ وَنَفْسُهُ وَمَاهِيَّتُهُ وَحَقِيقَتُهُ وَلَيْسَ وُجُودُهُ وَثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ.