للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفِعْلَ يَجْلِبُ مَنْفَعَةً رَاجِحَةً؛ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَنْفِيه؛ فَهَذِهِ الطَّرِيقُ فِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَهَا " الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ " وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهَا الرَّأْيَ وَبَعْضُهُمْ يُقَرِّبُ إلَيْهَا الِاسْتِحْسَانَ وَقَرِيبٌ مِنْهَا ذَوْقُ الصُّوفِيَّةِ وَوَجْدُهُمْ وَإِلْهَامَاتُهُمْ؛ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ مَصْلَحَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَيَذُوقُونَ طَعْمَ ثَمَرَتِهِ وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَخُصُّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ بِحِفْظِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَفِي دَفْعِ الْمَضَارِّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ دَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ. وَجَلْبُ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الدِّينِ فَفِي الدُّنْيَا كَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِلْخَلْقِ مِنْ غَيْرِ حَظْرٍ شَرْعِيٍّ وَفِي الدِّينِ كَكَثِيرِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعِبَادَاتِ والزهادات الَّتِي يُقَالُ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِلْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ شَرْعِيٍّ. فَمَنْ قَصَرَ الْمَصَالِحَ عَلَى الْعُقُوبَاتِ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ الْفَسَادِ عَنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ لِيَحْفَظَ الْجِسْمَ فَقَطْ فَقَدْ قَصَّرَ. وَهَذَا فَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِهِ فَإِنَّ مِنْ جِهَتِهِ حَصَلَ فِي الدِّينِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ رَأَوْا مَصَالِحَ فَاسْتَعْمَلُوهَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا مَا هُوَ مَحْظُورٌ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ