للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَحْبُوبِ وَيُوجِبُ لِلْمُحِبِّ بَدْرِك مَحْبُوبِهِ فَرَحًا وَلَذَّةً وَسُرُورًا وَكَذَلِكَ الْبُغْضُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُنَافَرَةٍ بَيْنَ الْمُبْغِضِ وَالْمُبْغِضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لِلْمُبْغِضِ بَدْرِك الْمُبْغِضِ أَذًى وَبُغْضًا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمُلَاءَمَةُ وَالْمُنَافَرَةُ تَقْتَضِي الْحَاجَةَ إذْ مَا لَا يَحْتَاجُ الْحَيُّ إلَيْهِ لَا يُحِبُّهُ وَمَا لَا يَضُرُّهُ كَيْفَ يُبْغِضُهُ؟ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ إذْ لَوْ جَازَتْ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ لَلَزِمَ حُدُوثُهُ وَإِمْكَانُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ - {يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي} فَلِهَذَا فُسِّرَتْ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا بِالْإِرَادَةِ إذْ يَفْعَلُ النَّفْعَ وَالضُّرَّ. فَيُقَالُ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدِهِمَا الْإِلْزَامُ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: الْإِرَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُرِيدِ وَالْمُرَادِ وَمُلَاءَمَتُهُ فِي ذَلِكَ تَقْتَضِي الْحَاجَةَ وَإِلَّا فَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَيُّ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُرِيدُهُ وَلِذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَالْإِضْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لِنَفْرَةِ وَبُغْضٍ وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ الْحَيُّ أَصْلًا لَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَدْفَعُهُ. وَكَذَلِك نَفْسُ نَفْعِ الْغَيْرِ وَضَرَرِهِ هُوَ فِي الْحَيِّ مُتَنَافِرٌ مِنْ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إنَّمَا يُحْسِنُ إلَى غَيْرِهِ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ لِدَفْعِ مُضِرَّةٍ وَإِنَّمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مُضِرَّةٍ فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُثْبِتُ صِفَةً وَيَنْفِي أُخْرَى يَلْزَمُهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ مَا يَلْزَمُهُ فِيمَا نَفَاهُ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ إحْدَاهُمَا وَنَفْيُ الْأُخْرَى أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَلَوْ عَكَسَ عَاكِسٌ فَنَفَى مَا أَثْبَتّه مِنْ الْإِرَادَةِ