للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ. كَمَا يُقَالُ فِيمَنْ قَالَ: فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ تَحْتِهِمْ لَا عَقْلَ وَلَا قُرْآنَ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَقْدَمُ فَكَيْفَ يَسْتَفِيدُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ وَهُمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ: دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَهَؤُلَاءِ قَدْ بَسَطْنَا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَهُمْ فِي " وَحْدَةِ الْوُجُودِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ " كَلَامٌ مِنْ شَرِّ كَلَامِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الْحَيْرَةَ: فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ حَيْرَتِهِ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي مَدْحَ الْحَيْرَةِ؛ بَلْ الْحَائِرُ مَأْمُورٌ بِطَلَبِ الْهُدَى كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَدْعُوَ يَقُولُ: يَا دَلِيلَ الْحَائِرِينَ دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ. فَأَمَّا الَّذِي قَالَ: أَوَّلُ الْمَعْرِفَةِ الْحَيْرَةُ وَآخِرُهَا الْحَيْرَةُ. فَقَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَعْنًى صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الطَّالِبَ السَّالِكَ يَكُونُ حَائِرًا قَبْلَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالْهُدَى فَإِنَّ كُلَّ طَالِبٍ لِلْعِلْمِ وَالْهُدَى هُوَ قَبْلَ حُصُولِ مَطْلُوبِهِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَيْرَةِ وَقَوْلُهُ آخِرُهَا الْحَيْرَةُ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ طَالِبُ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَائِرًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَدْحُ الْحَيْرَةِ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِيَ الْإِنْسَانَ نَوْعٌ مِنْ الْحَيْرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْعِلْمِ وَالْهُدَى.