فَهَذَا مَا أَعْرِفُهُ مِنْ كَلَامِ الْجُنَيْد. وَفِيهِ نَظَرٌ هَلْ قَالَهُ وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَعْهُودِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ هَذَا فَأَرَادَ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ؛ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ لَمْ يَحْصُلْ يَقِينٌ وَمَعْرِفَةٌ وَهُدًى وَعِلْمٌ؛ فَإِنَّ الْجُنَيْد أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا الْكَلَامُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ قَالَهُ. لَكِنْ إذَا قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ مَهْمَا حَصَّلُوا مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ وَالْهُدَى فَهُنَاكَ أُمُورٌ لَمْ يَصِلُوا إلَيْهَا فَهَذَا صَحِيحٌ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ وَأَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ: {اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي} قَالَ: {مَنْ قَالَ هَذَا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا} فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ وَهَذِهِ لَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ وَلَا بَشَرٌ. فَإِذَا أَرَادَ الْمُرِيدُ أَنَّ عُقُولَ الْعُقَلَاءِ لَمْ تَصِلْ إلَى مَعْرِفَةِ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهَذَا صَحِيحٌ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنَّ الْعُقَلَاءَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ وَلَا يَقِينٌ بَلْ حَيْرَةٌ وَرَيْبٌ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَمَا ذُكِرَ عَنْ ذِي النُّونِ " فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّ ذَا النُّونِ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ كَلَامٌ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَعَزَّرَهُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ وَطَلَبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute