لقدامة: أَخْطَأَتْ اسْتُك الْحُفْرَةَ. أَمَّا إنَّك لَوْ اتَّقَيْت وَأَمِنْت وَعَمِلْت الصَّالِحَاتِ لَمْ تَشْرَبْ الْخَمْرَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ - وَكَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ - قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّ مَنْ طَعِمَ الشَّيْءَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمْ فِيهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُصْلِحِينَ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْقِبْلَةَ وَأَمَرَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ} أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَمَنْ اسْتَحَلَّ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ إذَا كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ وَإِنْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ. فَأَمَّا بَعْدُ أَنْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَاسْتِحْلَالُهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَى الصَّخْرَةِ بَعْدَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَبِمَنْزِلَةِ التَّعَبُّدِ بِالسَّبْتِ وَاسْتِحْلَالِ الزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَسْتَمْسِكَ مِنْ شَرْعٍ مَنْسُوخٍ بِأَمْرِ. وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَمْسِكِ بِمَا نُسِخَ مِنْ الشَّرَائِعِ؛ فَلِهَذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْخَمْرَ قَتَلُوهُ ثُمَّ إنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ نَدِمُوا وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا وأيسوا مِنْ التَّوْبَةِ. فَكَتَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute