للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} ؟ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ كَفَّرَ مَنْ جَعَلَ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا فَكَيْفَ مَنْ جَعَلَ عِبَادَهُ تَارَةً جُزْءًا مِنْهُ وَتَارَةً جَعَلَهُ هُوَ جُزْءًا مِنْهُمْ. فَلَعَنَ اللَّهُ أَرْبَابَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَانْتَصَرَ لِنَفْسِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَنَاقُضٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: الْعَيْنُ مَا يَتَعَيَّنُ اللَّهُ فِيهِ وَالْعَالَمُ كُلُّهُ حَدَقَةُ عَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ؛ فَقَدْ جَعَلَهُ مُتَعَيِّنًا فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ؛ فَإِذَا قَالَ بَعْدَهَا وَهُوَ نُورُ الْعَيْنِ بَقِيَتْ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ؛ مِنْ الْأَجْفَانِ؛ وَالْأَهْدَابِ وَالسَّوَادِ؛ وَالْبَيَاضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا فَقَدْ جَعَلَهُ مُتَعَيِّنًا فِيهَا غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ فِيهَا. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ نُورَ الْعَيْنِ: مُفْتَقِرٌ إلَى الْعَيْنِ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِقِيَامِهِ بِهَا فَإِذَا كَانَ اللَّهُ فِي الْعَالَمِ كَالنُّورِ فِي الْعَيْنِ؛ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى الْعَالَمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْحُلُولِيَّةِ؛ الَّذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ فِي الْعَالَمِ كَالْمَاءِ فِي الصُّوفَةِ وَكَالْحَيَاةِ فِي الْجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ وَهَذَا قَوْلُ قُدَمَاءِ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ كَفَّرَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ وَحُكِيَ عَنْ الْجَهْمِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هُوَ مِثْلُ هَذَا الْهَوَاءِ أَوْ قَالَ هُوَ هَذَا الْهَوَاءُ. وَقَوْلُهُ أَوَّلًا: هُوَ حَدَقَةُ عَيْنِ اللَّهِ يُشْبِهُ قَوْلَ الِاتِّحَادِيَّةِ فَإِنَّ الِاتِّحَادِيَّةَ يَقُولُونَ: هُوَ مِثْلُ الشَّمْعَةِ الَّتِي تَتَصَوَّرُ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ الْوُجُودُ؛ وَاخْتِلَافُ أَحْوَالِهِ كَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الشَّمْعَةِ.