للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. فَقَرَأْت عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَةَ: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} ؟ فَقَالَ: حَسْبُك فَنَظَرْت فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ بِالدَّمْعِ} فَهَذَا هُوَ السَّمَاعُ الَّذِي يَسْمَعُهُ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَقُرُونُهَا الْمُفَضَّلَةُ. وَخِيَارُ الشُّيُوخِ إنَّمَا يَقُولُونَ بِهَذَا السَّمَاعِ. وَأَمَّا الِاسْتِمَاعُ إلَى الْقَصَائِدِ الْمُلَحَّنَةِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهَا. فَأَكَابِرُ الشُّيُوخِ لَمْ يَحْضُرُوا هَذَا السَّمَاعَ كالْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي وَالسَّرِيِّ السقطي وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَالشَّيْخِ عَدِيِّ بْنِ مُسَافِرٍ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ: فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْضُرُونَ هَذَا السَّمَاعَ وَقَدْ حَضَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَأَكَابِرِهِمْ ثُمَّ تَابُوا مِنْهُ وَرَجَعُوا عَنْهُ. وَكَانَ الْجُنَيْد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحْضُرُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. وَيَقُولُ: مَنْ تَكَلَّفَ السَّمَاعَ فُتِنَ بِهِ وَمَنْ صَادَفَهُ السَّمَاعَ اسْتَرَاحَ بِهِ أَيْ مَنْ قَصَدَ السَّمَاعَ صَارَ مَفْتُونًا وَأَمَّا مَنْ سَمِعَ بَيْتًا يُنَاسِبُ حَالَهُ بِلَا اقْتِصَادٍ فَهَذَا يَسْتَرِيحُ بِهِ. وَاَلَّذِينَ حَضَرُوا السَّمَاعَ الْمُحْدَثَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ لَمْ يَكُونُوا يَجْتَمِعُونَ مَعَ مردان ونسوان وَلَا مَعَ مصلصلات وَشَبَّابَاتٍ وَكَانَتْ أَشْعَارُهُمْ مُزَهَّدَاتٍ مُرَقَّقَاتٍ.