للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: رُؤْيَةُ الْمِثَالِ؛ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فِي مَاءٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهِيَ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا رَأَيْت زَيْدًا؛ فَرَأَى صُورَتَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي الرُّؤْيَةِ. كَسَمَاعِ الصَّدَى فِي السَّمْعِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَرَى مَا يَمُرُّ وَرَاءَهُ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي تُوَاجِهُهُ فَتَنْجَلِي لَهُ فِيهَا حَقَائِقُ مَا وَرَاءَهُ فَمِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَدْ يَرَى بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُ الْحَقِيقَةُ بِمِثَالِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ. كَمَا تَمَثَّلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَهَكَذَا الْقَلْبُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْصِرَ فَإِنَّ بَصَرَهُ هُوَ الْبَصَرُ وَعَمَاهُ هُوَ الْعَمَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . فَتَارَةً يَرَى الشَّيْءَ نَفْسَهُ إذَا كُشِفَ لَهُ عَنْهُ وَتَارَةً يَرَاهُ مُتَمَثِّلًا فِي قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مِرْآتُهُ وَالْقَلْبُ هُوَ الرَّائِي أَيْضًا. وَهَذَا يَكُونُ يَقَظَةً وَيَكُونُ مَنَامًا كَالرَّجُلِ يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ يَكُونُ إيَّاهُ فِي الْيَقَظَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ. وَلِلْقَلْبِ " حَالٌ ثَالِثَةٌ " كَمَا لِلْعَيْنِ نَظَرٌ فِي الْمَنَامِ: وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ لِغَالِبِ الْخَلْقِ. أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا مَثَلًا مَضْرُوبًا لِلْحَقِيقَةِ لَا يَضْبُطُ رُؤْيَةَ الْحَقِيقَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِوَاسِطَةِ مِرْآةِ قَلْبِهِ. وَلَكِنْ يَرَى مَا لَهُ تَعْبِيرٌ فَيَعْتَبِرُ بِهِ وَ " عِبَارَةُ الرُّؤْيَا " هُوَ الْعُبُورُ مِنْ الشَّيْءِ إلَى مِثَالِهِ وَنَظِيرِهِ وَهُوَ