للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ بَخْسًا لَهُمْ أَشْيَاءَهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَاثِينَ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُمْ؛ بِخِلَافِ قَوْلِ " الْمُجَبِّرَةِ " أَنَّ ظُلْمَهُمْ مَا كَانَ سَيِّئَةً إلَّا لِمَا نَهَاهُمْ وَأَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. كَمَا يَقُولُونَ فِي سَائِرِ مَا نَهَتْ عَنْهُ الرُّسُلُ مِنْ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ. وَهَكَذَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ قَالَ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} {إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} فَهَذَا تَوْبِيخٌ عَلَى فِعْلِهِ قَبْلَ النَّهْيِ وَقَالَ أَيْضًا: {وَإِبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إفْكًا} . فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ إفْكًا قَبْلَ النَّهْيِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَلِيلِ لِقَوْمِهِ أَيْضًا: {مَاذَا تَعْبُدُونَ} {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} - إلَى قَوْلِهِ - {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} . فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ قُبْحَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّهْيِ وَقَبْلَ إنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا اسْتَفْهَمَ اسْتِفْهَامَ مُنْكِرٍ فَقَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أَيْ وَخَلَقَ مَا تَنْحِتُونَ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَعْبُدُوا مَا تَصْنَعُونَهُ بِأَيْدِيكُمْ؟ وَتَدَعُونَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.