وَقَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ نَادَاهُ كَمَا قَالَ: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ} الْآيَةَ. وَقَالَ: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ} الْآيَةَ. وَ " النِّدَاءُ " بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَكُونُ إلَّا صَوْتًا مَسْمُوعًا فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُهُمْ. وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَقُولُونَ: إنَّ مُوسَى نَادَاهُ رَبُّهُ نِدَاءً سَمِعَهُ بِأُذُنِهِ وَنَادَاهُ بِصَوْتِ سَمِعَهُ مُوسَى وَالصَّوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا كَلَامًا وَالْكَلَامُ لَا يَكُونُ إلَّا حُرُوفًا مَنْظُومَةً وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وَقَالَ: {حم} {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَقَالَ: {حم} {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فَقَدْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ مُنَزَّلٌ مِنْ اللَّهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ: مِنْهُ بَدَأَ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهُ بَدَأَ أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ مَخْلُوقٌ قَالُوا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ فَبَدَا مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ فَقَالَ السَّلَفُ: مِنْهُ بَدَأَ أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ لَمْ يَخْلُقْهُ فِي غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي خَلَقَهُ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَلَقَ صِفَةً مِنْ الصِّفَاتِ فِي مَحَلٍّ كَانَتْ الصِّفَةُ صِفَةً لِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَمْ تَكُنْ صِفَةً لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَإِذَا خَلَقَ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَحَرِّكَ الْمُتَلَوِّنَ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا خَلَقَ حَيَاةً أَوْ إرَادَةً أَوْ قُدْرَةً أَوْ عِلْمًا أَوْ كَلَامًا فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُرِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute