الرَّسُولَ مُبَلِّغٌ لَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ؛ لَا أَنَّهُ أَنْشَأَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الرَّسُولِ. لِأَنَّهُ بَلَّغَهُ وَأَدَّاهُ لَا لِأَنَّهُ أَنْشَأَ مِنْهُ شَيْئًا وَابْتَدَأَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَّرَ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلَ الْبَشَرِ بِقَوْلِهِ: {إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} {ثُمَّ نَظَرَ} {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} {فَقَالَ إنْ هَذَا إلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} {إنْ هَذَا إلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} وَمُحَمَّدٌ بَشَرٌ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَقَدْ كَفَرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ قَوْلُ بَشَرٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ مَلَكٍ فَمَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا لِأَحَدِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَدْ كَفَرَ؛ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} فَجَعَلَهُ قَوْلَ الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ مَعَ تَكْفِيرِهِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ قَوْلُ الْبَشَرِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ لَا أَنَّهُ قَوْلٌ لَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فَاَلَّذِي بَلَّغَهُ الرَّسُولُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ الرَّسُولِ. وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوَاسِمِ وَيَقُولُ: {أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إلَى قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْكَلَامُ كَلَامُ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute