مِنْ الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ وَالْأَشْعَرِيُّ أَقْرَبُ إلَى السَّلَفِ مِنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي. وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَمْثَالُهُ أَقْرَبُ إلَى السَّلَفِ مِنْ أَبِي الْمَعَالِي وَأَتْبَاعِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ نَفَوْا الصِّفَاتِ: كَالِاسْتِوَاءِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَتَأَوَّلُ أَوْ تُفَوَّضُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَوْ طَرِيقَيْنِ فَأَوَّلُ قَوْلَيْ أَبِي الْمَعَالِي هُوَ تَأْوِيلُهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي " الْإِرْشَادِ " وَآخِرُ قَوْلَيْهِ تَحْرِيمُ التَّأْوِيلِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي " الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ " وَاسْتَدَلَّ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ لَيْسَ بِسَائِغِ وَلَا وَاجِبٍ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ نَفْسُهُ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُمْ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَأَوَّلُهَا كَمَنْ يَقُولُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى. وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِهِ كُلِّهَا كَ " الْمُوجَزِ الْكَبِيرِ " وَ " الْمَقَالَاتِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ " وَ " الْإِبَانَةِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَكَذَا نَقَلَ سَائِر النَّاسِ عَنْهُ حَتَّى الْمُتَأَخِّرُونَ كَالرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ يَنْقُلُونَ عَنْهُ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَلَا يَحْكُونَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يَنْفِيهَا وَأَنَّ لَهُ فِي تَأْوِيلِهَا قَوْلَيْنِ: فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ هَذَا فِعْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَدْخَلُوا فِي مَذْهَبِهِ أَشْيَاءَ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute