للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ قِيلَ: الْقَدِيمُ هُوَ شَيْءٌ لَيْسَ بِوَاسِطَةِ فِي شَيْءٍ آخَرَ. قِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَابِلًا لِحُدُوثِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ حُدُوثُ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ فَإِمْكَانُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ أَوْلَى وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لَهَا أَمْكَنَ أَنْ تَحْدُثَ لَهُ الْأَحْوَالُ كَمَا تَحْدُثُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمْتَنِعُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ عَنْهُ: إمَّا بِوَسَطِ وَإِمَّا بِغَيْرِ وَسَطٍ؛ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَابِلًا وَصُدُورُ مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ الصَّانِعِ مُمْكِنٌ أَمْكَنَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ عَنْهُ أَوْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلُ فِي حُدُوثِهَا كَالْقَوْلِ فِي حُدُوثِ سَائِر مَا يَحْدُثُ عَنْهُ وَذَلِكَ مُحَالٌ مِنْ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمَعْلُومِهَا فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْبُرْهَانُ الْبَاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الْأَوَّلِ عِلَّةً تَامَّةً لِشَيْءِ مِنْ الْعَالَمِ - مُحَالٌ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَلَكِ وَغَيْرِهِ؛ سَوَاءٌ قُدِّرَ ذَلِكَ الْغَيْرُ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ جِسْمٍ وَسَوَاءٌ قُدِّرَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَوَادِثِ فِيهِ أَوْ عَنْهُ - كَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ: كالفارابي وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالُهُمَا وَسَلَفُهُمَا مِنْ الْيُونَانِ. فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْفَلَكُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ الْقَدِيمَةِ وَالْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَوَادِثِ الَّتِي تَحْدُثُ عَنْهَا فَكُلٌّ مِنْهَا مُقَارِنٌ لِلْحَوَادِثِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ مَعْلُولًا لِلْمُوجِبِ بِذَاتِهِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُوجِبَ بِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ فِي الْأَزَلِ حَادِثٌ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لِحَادِثِ بَطَلَ كَوْنُ صَانِعِ الْعَالَمِ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ وَمَتَى بَطَلَ كَوْنُهُ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا سِوَاهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ بِعَيْنِهِ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ سَوَاءً قِيلَ