الْمَأْثُورَ: {أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَّ وَخَاطَ إدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ} وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَخِطْ ثَوْبًا فَمَا يَصْنَعُ بِالْإِبْرَةِ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ بِذِكْرِ الْحَدِيدِ هُوَ اتِّخَاذُ آلَاتِ الْجِهَادِ مِنْهُ كَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وَالنَّصْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الَّذِي بِهِ يُنْصَرُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ لَمْ تَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ نَزَلَتْ الْآلَةُ الَّتِي يُطْبَعُ بِهَا قِيلَ فَاَللَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْآلَةُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَادَّةٍ يُصْنَعُ بِهَا آلَاتُ الْجِهَادِ؛ لَكِنَّ لَفْظَ النُّزُولِ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى قَالَ قُطْرُبُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ جَعَلَهُ نُزُلًا كَمَا يُقَالُ أَنْزَلَ الْأَمْرَ عَلَى فُلَانٍ نُزُلًا حَسَنًا أَيْ جَعَلَهُ نُزُلًا. قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ النُّزُلَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَا عَلَى مَا يُقَاتَلُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} وَالضِّيَافَةُ سُمِّيَتْ نُزُلًا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الضَّيْفَ يَكُونُ رَاكِبًا فَيَنْزِلُ فِي مَكَانٍ يُؤْتَى إلَيْهِ بِضِيَافَتِهِ فِيهِ فَسُمِّيَتْ نُزُلًا لِأَجْلِ نُزُولِهِ وَنَزَلَ بِبَنِي فُلَانٍ ضَيْفٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فِي السَّفِينَةِ وَسُمِّيَتْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا الْمُسَافِرُونَ مَنَازِلَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رُكْبَانًا فَيَنْزِلُونَ وَالْمُشَاةُ تَبَعٌ لِلرُّكْبَانِ وَتُسَمَّى الْمَسَاكِنُ مَنَازِلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute