وَقَالَ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} إلَى قَوْلِهِ: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} . فَهَذَا الْخَلِيلُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بِأَمْرِهِ؛ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ بَعْدَهُ وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: {إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} {إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} . وَعِنْدَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِي أَشْرَكُوهُ: هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ لَيْسَ غَيْرَهُ فَكَيْفَ يَتَبَرَّأُ مِنْ اللَّهِ الَّذِي وَجَّهَ وَجْهَهُ إلَيْهِ؟ وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ عَلَى أَصْلِهِمْ؛ إمَّا أَنْ يَعْبُدَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَظَاهِرِ بِدُونِ تَقْيِيدٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ - وَهُوَ حَالُ الْمُكَمَّلِ عِنْدَهُمْ - فَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْ شَيْءٍ وَإِمَّا أَنْ يَعْبُدَهُ فِي بَعْضِ الْمَظَاهِرِ كَفِعْلِ النَّاقِصِينَ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا التَّبْرِيءُ مِنْ بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ فَقَدْ قَالَ: إنَّ قَوْمَ نُوحٍ لَوْ تَرَكُوهُمْ لَتَرَكُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْ تِلْكَ الْأَوْثَانِ وَالرُّسُلُ قَدْ تَبَرَّأَتْ مِنْ الْأَوْثَانِ فَقَدْ تَرَكَتْ الرُّسُلُ مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا كَثِيرًا وَتَبَرَّءُوا مِنْ اللَّهِ الَّذِي دَعَوْا الْخَلْقَ إلَيْهِ وَالْمُشْرِكُونَ - عَلَى زَعْمِهِمْ - أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْمُرْسَلِينَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَبَدُوهُ فِي بَعْضِ الْمَظَاهِرِ وَلَمْ يَتَبَرَّءُوا مِنْ سَائِرِهَا وَالرُّسُلُ تَبَرَّءُوا مِنْهُ فِي عَامَّةِ الْمَظَاهِرِ. ثُمَّ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} بَاطِلٌ عَلَى أَصْلِهِمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْطُرْهَا إذْ هِيَ لَيْسَتْ غَيْرَهُ فَمَا أَجْدَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute