للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ التَّكَلُّمَ وَالتَّكْلِيمَ لَهُ مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ وَكَذَلِكَ تَبْلِيغُ الْمُبَلِّغِ لِكَلَامِ غَيْرِهِ لَهُ وُجُوهٌ وَصِفَاتٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُدْرِكُ مِنْ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ وَالصِّفَاتِ بَعْضَهَا وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْ إلَّا أَدْنَاهَا. ثُمَّ يُكَذِّبُ بِأَعْلَاهَا فَيَصِيرُونَ مُؤْمِنِينَ بِبَعْضِ الرِّسَالَةِ كَافِرِينَ بِبَعْضِهَا وَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُصَدِّقَةً بِمَا أَدْرَكَتْهُ مُكَذِّبَةً بِمَا مَعَ الْآخَرِينَ مِنْ الْحَقِّ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وَقَالَ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} . ففي هَذِهِ الْآيَةِ خَصَّ بِالتَّكْلِيمِ بَعْضَهُمْ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا وَاسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِتَخْصِيصِ مُوسَى بِالتَّكْلِيمِ فَهَذَا التَّكْلِيمُ الَّذِي خَصَّ بِهِ مُوسَى عَلَى نُوحٍ وَعِيسَى وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ هُوَ