للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِشَيْءِ إلَّا وَقَعَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ؛ [فَإِنَّ الْحُكْمَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} الْآيَةَ] (*) وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} وَيَكُونُ الْحُكْمُ حُكْمًا بِالْحَقِّ وَالتَّكْوِينِ وَالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} وَقَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}. وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقْرَءُونَ وَوَصَّى رَبُّك أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرُوا أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ وَلِهَذَا قَالَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} الْآيَةَ وَسَاقَ أَمْرَهُ وَوَصَايَاهُ إلَى أَنْ قَالَ: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}. فَخَتَمَ الْكَلَامَ بِمِثْلِ مَا فَتَحَهُ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَنَهْيِهِ عَنْ الشِّرْكِ لَيْسَ هُوَ إخْبَارًا أَنَّهُ مَا عَبَدَ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ ذَلِكَ وَكَوَّنَهُ وَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ}؟ وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ يُجْعَلُ إلَهًا آخَرَ فَأَيُّ شَيْءٍ عُبِدَ فَهُوَ نَفْسُ الْإِلَهِ لَيْسَ آخَرَ غَيْرَهُ. وَمِثْلُ مُعَادَاةِ إبْرَاهِيمَ وَالْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ - عَلَى زَعْمِهِمْ - حَيْثُ عَادَى الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ وَمَا عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ وَمَا عَبَدَ اللَّهُ غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ عَيْنُ كُلِّ عَابِدٍ وَعَيْنُ كُلِّ مَعْبُودٍ فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٣):
وموضع الشاهد على أن الحكم يأتي بمعنى الأمر الديني آخر الآية وهو قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} ويظهر أن الاختصار من الناسخ.