للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَتِهِ مَا دَامَ الْقُرْآنُ وَالذِّكْرُ مَكْتُوبَانِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ صِيغَ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ نُحَاسٌ عَلَى صُورَةِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ أَوْ نُقِشَ حَجَرٌ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ ثُمَّ غُيِّرَتْ تِلْكَ الصِّيَاغَةُ وَتَغَيَّرَ الْحَجَرُ لَمْ يَجِبْ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا كَانَ لَهَا حِينَ الْكِتَابَةِ. وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ فِي مَاءِ زَمْزَمَ: لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلِ وَلَكِنْ لِشَارِبِ حِلٌّ وبل. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لِشَارِبِ وَمُتَوَضِّئٍ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَذَكَرُوا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد. وَالشَّافِعِيِّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَالْمُرَخِّصُ احْتَجَّ بِحَدِيثِ فِيهِ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ} وَالصَّحَابَةُ تَوَضَّئُوا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ مَعَ بَرَكَتِهِ؛ لَكِنْ هَذَا وَقْتُ حَاجَةٍ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ النَّهْيَ مِنْ الْعَبَّاسِ إنَّمَا جَاءَ عَنْ الْغُسْلِ فَقَطْ لَا عَنْ الْوُضُوءِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ هُوَ لِهَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ الْغُسْلَ يُشْبِهُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ فِي الْجَنَابَةِ مَا يَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ وَحِينَئِذٍ فَصَوْنُ هَذِهِ الْمِيَاهِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ النَّجَاسَاتِ مُتَوَجِّهٌ بِخِلَافِ صَوْنِهَا مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


آخِرُ الْمُجَلَّدِ الثَّانِي عَشَرَ