للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنْ يُفْهَمَ مُرَادَ الرَّسُولِ؛ بَلْ أَنْ يَدْفَعَ مُنَازِعَهُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَا. وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كالرَّازِي والآمدي وَابْنِ الْحَاجِبِ - إنَّ الْأُمَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَحْكَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى الضَّلَالِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ الْآيَةَ وَأَرَادَ بِهَا مَعْنًى لَمْ يَفْهَمْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؛ وَلَكِنْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ مَعْنًى آخَرَ وَهُمْ لَوْ تَصَوَّرُوا هَذِهِ " الْمَقَالَةَ " لَمْ يَقُولُوا هَذَا؛ فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا يَقُولُونَ قَوْلَيْنِ كِلَاهُمَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُولُوهُ؛ لَكِنْ قَدْ اعْتَادُوا أَنْ يَتَأَوَّلُوا مَا خَالَفَهُمْ وَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ مَقْصُودُهُ بَيَانُ احْتِمَالٍ فِي لَفْظِ الْآيَةِ بِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَمْ يَسْتَشْعِرُوا أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ هُوَ مُبَيِّنٌ لِمُرَادِ الْآيَةِ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى إذَا حَمَلَهَا عَلَى مَعْنًى. وَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَالْأُمَّةُ قَبْلَهُمْ لَمْ يَقُولُوا أُرِيدَ بِهَا إلَّا هَذَا أَوْ هَذَا فَقَدْ جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ الْأُمَّةَ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ مُرَادَهُ غَيْرُ مَا أَرَادَهُ؛ لَكِنْ الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ يَتَمَشَّى إذَا كَانَ التَّأْوِيلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ