للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَأَنَّهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فَلَا يُخْبِرُونَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا غَيْرِ صِفَاتِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَ سُبْحَانَهُ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ؛ فَيَكُونُ خَبَرُهُمْ وَقَوْلُهُمْ تَبَعًا لِخَبَرِهِ وَقَوْلِهِ كَمَا قَالَ: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} وَأَعْمَالُهُمْ تَابِعَةٌ لِأَمْرِهِ فَلَا يَعْمَلُونَ إلَّا مَا أَمَرَهُمْ هُوَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِ فَهُمْ مُطِيعُونَ لِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ. وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ مَلَائِكَةَ النَّارِ فَقَالَ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا تَوْكِيدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَا يَعْصُونَهُ فِي الْمَاضِي وَيَفْعَلُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَهَذَا أَنَّ الْعَاصِيَ هُوَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ طَاعَةِ الْأَمْرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِثَالِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ لِعَجْزِهِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا فَإِذَا قَالَ: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَيْسَ بِعَاصٍ وَلَا فَاعِلٍ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرُوا بِهِ فَهُمْ لَا يَتْرُكُونَهُ لَا عَجْزًا وَلَا مَعْصِيَةً. وَالْمَأْمُورُ إنَّمَا يَتْرُكُ مَا أُمِرَ بِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ قَادِرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لَا يُرِيدُ الطَّاعَةَ فَإِذَا كَانَ مُطِيعًا يُرِيدُ طَاعَةَ الْآمِرِ وَهُوَ قَادِرٌ وَجَبَ وُجُودُ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ فَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ الْمَذْكُورُونَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.