الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ وَالْمَسْؤُولِ عَنْهُ وَحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الرُّجْحَانَ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ لَا قَوْلَ لَهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَقَدْ قَالَ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قَالَ: هَذَا نَزَلَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكَاتُ فَإِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مُرَادَاتٌ قَطْعًا وَسُورَةُ الْمَائِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ خَاصٌّ مُتَأَخِّرٌ وَذَاكَ عَامٌّ مُتَقَدِّمٌ وَالْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ أَرْجَحُ مِنْ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ. وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَارَقَ عُمَرُ امْرَأَةً مُشْرِكَةً وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ الْمُشْرِكَاتِ إلَى حِينِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَوْ كَانَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ قَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ بَعْدَ آيَةِ الْمُمْتَحَنَةِ وَآيَةَ الْمَائِدَةِ بَعْدَ آيَةِ الْبَقَرَةِ. فَهَذَا النَّظَرُ وَأَمْثَالُهُ هُوَ نَظَرُ الْفَقِيهِ الْعَالِمِ بِرُجْحَانِ دَلِيلٍ وَظَنٍّ عَلَى دَلِيلٍ وَهَذَا عِلْمٌ لَا ظَنٌّ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الظَّنَّ لَهُ أَدِلَّةٌ تَقْتَضِيهِ وَأَنَّ الْعَالِمَ إنَّمَا يَعْلَمُ بِمَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالرُّجْحَانِ لَا بِنَفْسِ الظَّنِّ إلَّا إذَا عَلِمَ رُجْحَانَهُ وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي لَا يُعْلَمُ رُجْحَانُهُ فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ بِهِ مَنْ قَالَ فِيهِ: {إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ} فَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ. وَلَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ رَاجِحٌ لَكَانُوا قَدْ اتَّبَعُوا عِلْمًا لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَتَّبِعُ إلَّا الظَّنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute