للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ خَفِيَ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْكَلَامِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَهُ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ حَتَّى اعْتَقَدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ اسْتَدَلَّ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَجْعَلُهُ أَصْلَ الدِّينِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ أَوْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ؛ وَلَكِنْ مَنْ عَرَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ وَالصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ فَصَارَ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ بَلْ يَظُنُّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لَكِنَّهُ طَوِيلٌ أَوْ يَبْعُدُ الْمَعْرِفَةُ أَوْ هُوَ طَرِيقٌ مُخِيفَةٌ مُخْطِر يُخَافُ عَلَى سَالِكِهِ فَصَارُوا يَعِيبُونَهُ كَمَا يُعَابُ الطَّرِيقُ الطَّوِيلُ وَالطَّرِيقُ الْمُخِيفُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ يُوَصِّلُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْحُذَّاقُ الْعَارِفُونَ تَحْقِيقَهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ مُوَصِّلٍ إلَى الْمَعْرِفَةِ بَلْ إنَّمَا يُوَصِّلُ لِمَنْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ إلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ تَنَاقُضُهُ أَوْصَلَهُ إلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ. وَلِهَذَا صَارَ حُذَّاقُ سَالِكِيهِ يَنْتَهُونَ إلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ؛ إذْ كَانَ حَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ حَادِثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَدِيمٌ وَهَذَا مُكَابَرَةٌ؛ فَإِنَّ الْوُجُودَ مَشْهُودٌ وَهُوَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ وَالْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَدِيمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.