للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا " الثَّانِي " فَيُقَالُ لِمَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا وَنَفَى آخَرَ: لِمَ نَفَيْت مَثَلًا حَقِيقَةَ رَحْمَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأَعَدْت ذَلِكَ إلَى إرَادَتِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُومَ مِنْ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّنَا هِيَ رِقَّةٌ تَمْتَنِعُ عَلَى اللَّهِ قِيلَ لَهُ: وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِرَادَةِ فِي حَقِّنَا هِيَ مَيْلٌ يَمْتَنِعُ عَلَى اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ: إرَادَتُهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ إرَادَةِ خَلْقِهِ قِيلَ لَهُ: وَرَحْمَتُهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ رَحْمَةِ خَلْقِهِ وَكَذَلِكَ مَحَبَّتُهُ. وَإِنْ قَالَ - وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ -: لَمْ أُثْبِتْ الْإِرَادَةَ وَغَيْرَهَا بِالسَّمْعِ وَإِنَّمَا أَثْبَتّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ بِالْعَقْلِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْإِحْكَامِ دَلَّ عَلَى الْعِلْمِ وَالتَّخْصِيصِ دَلَّ عَلَى الْإِرَادَةِ قِيلَ لَهُ الْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا: أَنَّ الْإِنْعَامَ وَالْإِحْسَانَ وَكَشْفَ الضُّرِّ دَلَّ أَيْضًا عَلَى الرَّحْمَةِ كَدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْإِرَادَةِ. وَالتَّقْرِيبُ وَالْإِدْنَاءُ وَأَنْوَاعُ التَّخْصِيصِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْمُحِبِّ تَدُلُّ عَلَى الْمَحَبَّةِ أَوْ مُطْلَقُ التَّخْصِيصِ يَدُلُّ عَلَى الْإِرَادَةِ. وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالْإِنْعَامِ فَتَخْصِيصٌ خَاصٌّ. وَالتَّخْصِيصُ بِالتَّقْرِيبِ وَالِاصْطِفَاءِ تَقْرِيبٌ خَاصٌّ. وَمَا سَلَكَهُ فِي مَسْلَكِ الْإِرَادَةِ يَسْلُكُ فِي مِثْلِ هَذَا.

الثَّانِي: يُقَالُ لَهُ: هَبْ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيهِ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَنْفِي بِهِ الْإِرَادَةَ، وَالسَّمْعُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ بَلْ