مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُعْطِي السُّلْطَانَ وَالْمَالَ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ فَقَدْ يُعْطَى أَحَدُ هَؤُلَاءِ تَصَرُّفًا: إمَّا بِقَهْرِ عَدُوِّهِ وَإِمَّا بِنَصْرِ وَلِيِّهِ كَمَا تُعْطَى الْمُلُوكُ. وَقَدْ يُعْطَى نَوْعًا مِنْ الْمُكَاشَفَةِ إمَّا بِإِخْبَارِ بَعْضِ الْجِنِّ لَهُ وَقَدْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَدْ لَا يَعْرِفُ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ: أَنَا آخُذُ مِنْ اللَّهِ وَغَيْرِي يَأْخُذُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَى بِحَالِهِ فِي ذَاكَ وَتَفَرُّدِهِ أَنَّ مَا أُوتِيَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمُكَاشَفَةِ يَحْصُلُ لَهُ بِغَيْرِ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ؛ لَكِنَّ هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَبَالٌ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لَهُ الرَّسُولُ. فَوَلَّى وَعَزَلَ وَأَعْطَى وَمَنَعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّسُولِ وَقَتَلَ وَضَرَبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَكْرَمَ وَأَهَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَجَاءَهُ خِطَابٌ فِي بَاطِنِهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ الرَّسُولِ كَانَتْ حَالَتُهُ هَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ؛ فَيَأْمُرُهُ فَيَتَصَرَّفُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ وَلَعَمْرِي هُوَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ بِوَاسِطَةِ أَمْرِ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّحَرَةِ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ؛ لَكِنْ بِوَاسِطَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ الْمُبَلِّغِ لَهُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute