للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ ذَلِكَ الشَّوْقُ إنْ كَانَ قَدِيمًا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: الشَّوْقُ أَيْضًا صِفَةُ نَقْصٍ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ: {طَالَ شَوْقُ الْأَبْرَارِ إلَى لِقَائِي وَأَنَا إلَى لِقَائِهِمْ أَشْوَقُ} وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: فَخَلَقَ مِنْ نُورِهِ آدَمَ وَجَعَلَهُ كَالْمِرْآةِ وَأَنَا ذَلِكَ النُّورُ وَآدَمُ هُوَ الْمِرْآةُ - يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ الْمَسِيحِ وَهَذَا نَقِيضُ الْوَاقِعِ فَإِنَّ آدَمَ خُلِقَ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَالْمَسِيحُ خُلِقَ مِنْ مَرْيَمَ وَمَرْيَمُ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟ . وَإِنْ قِيلَ: الْمَسِيحُ هُوَ نُورُ اللَّهِ فَهَذَا الْقَوْلُ - وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى - فَهُوَ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى فَإِنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ: إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ النَّاسُوتُ وَاللَّاهُوتُ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ هِيَ جَوْهَرُ الِابْنِ وَهُمْ يَقُولُونَ: اتِّحَادُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ مُتَجَدِّدٌ حِينَ خُلِقَ بَدَنُ الْمَسِيحِ لَا يَقُولُونَ: إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ الْمَسِيحِ إذْ الْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ اسْمُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ جَمِيعًا وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ آدَمَ وَأَيْضًا فَهُمْ لَا يَقُولُونَ: إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ لَاهُوتِ الْمَسِيحِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ نُورِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ؛ إنْ أَرَادَ بِهِ نُورَهُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ: فَذَاكَ لَيْسَ هُوَ الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ؛ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ صِفَةً لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِنُورِهِ مَا هُوَ نُورٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَوْجُودًا مُنْفَصِلًا قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ فَامْتَنَعَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنْ يَكُونَ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ نُورِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ.