لَكِنَّ الشَّرَائِعَ تَتَنَوَّعُ: فَتَارَةً تَكُونُ مُنَزَّلَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَتَارَةً لَا تَكُونُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْمَنْزِلَةُ: تَارَةً تُبَدَّلُ وَتُغَيَّرُ - كَمَا غَيَّرَ أَهْلُ الْكِتَابِ شَرَائِعَهُمْ - وَتَارَةً لَا تُغَيَّرُ وَلَا تُبَدَّلُ وَتَارَةً يَدْخُلُ النَّسْخُ فِي بَعْضِهَا وَتَارَةً لَا يَدْخُلُ. وَأَمَّا الْقَدَرُ: فَإِنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدٌ إلَّا عِنْدَ اتِّبَاعِ هَوَاهُ فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ وَذَوْقِهِ وَوَجْدِهِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ بِحُسْنِ الْفِعْلِ وَمَصْلَحَتِهِ اسْتَنَدَ إلَى الْقَدَرِ كَمَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إنْ تَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إلَّا تَخْرُصُونَ} {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِهَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ. وَالْقَوْمُ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَسُوغُ لِكُلِّ أَحَدٍ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ فَإِنَّهُ لَوْ خَرَّبَ أَحَدٌ الْكَعْبَةَ؛ أَوْ شَتَمَ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ أَوْ طَعَنَ فِي دِينِهِمْ لَعَادَوْهُ وَآذَوْهُ كَيْفَ وَقَدْ عَادَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ وَمَا فَعَلَهُ هُوَ أَيْضًا مِنْ الْمَقْدُورِ. فَلَوْ كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ حُجَّةً لَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا يَحْدُثُ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ فَالْمُحِقُّ وَالْمُبْطِلُ يَشْتَرِكَانِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ إنْ كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ صَحِيحًا وَلَكِنْ كَانُوا يَتَعَمَّدُونَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute