للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{لَبَّيْكَ وسعديك وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت} . وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا فَالْمَعْدُومُ سَوَاءٌ كَانَ عَدَمَ ذَاتٍ أَوْ عَدَمَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهَا أَوْ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهَا مِثْلَ عَدَمِ الْحَيَاةِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى تَنَوُّعِ أَصْنَافِهِ مِثْلُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ وَرَجَائِهِ وَخَشْيَتِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا خَيْرَاتٌ وَحَسَنَاتٌ وَعَدَمَهَا شَرٌّ وَسَيِّئَاتٌ؛ لَكِنَّ هَذَا الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ بَارِئٌ وَفَاعِلٌ فَيُضَافُ إلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمَ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ الْإِنْسَانِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ وَبَعْدَ أَنْ خُلِقَتْ؛ فَإِنَّهَا قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ عَدَمٌ مُسْتَلْزِمٌ لِهَذَا الْعَدَمِ وَبَعْدَ أَنْ خُلِقَتْ - وَقَدْ خُلِقَتْ ضَعِيفَةً نَاقِصَةً - فِيهَا النَّقْصُ وَالضَّعْفُ وَالْعَجْزُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ عَدَمِيَّةٌ فَأُضِيفَ إلَى النَّفْسِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ عَدَمِ الْمَعْلُولِ إلَى عَدَمِ عِلَّتِهِ وَعَدَمِ مُقْتَضِيهِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ بَابِ إضَافَتِهِ إلَى وُجُودِ مُنَافِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. و " نُكْتَةُ الْأَمْرِ " أَنَّ هَذَا الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ الْعَدَمِيَّةَ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَهَا فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.