للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ رَمَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُوصِلَ الرَّمْيَ إلَى جَمِيعِهِمْ فَإِنَّهُ إذْ رَمَاهُمْ بِالتُّرَابِ وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ} لَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُوصِلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْصَلَ ذَلِكَ الرَّمْيَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِقُدْرَتِهِ. يَقُولُ: وَمَا أَوَصَلْت إذْ حَذَفْت وَلَكِنَّ اللَّهَ أَوْصَلَ فَالرَّمْيُ الَّذِي أَثْبَتَهُ لَهُ لَيْسَ هُوَ الرَّمْيُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ بَلْ نَفَى عَنْهُ الْإِيصَالَ وَالتَّبْلِيغَ وَأَثْبَتَ لَهُ الْحَذْفَ وَالْإِلْقَاءَ وَكَذَلِكَ إذَا رَمَى سَهْمًا فَأَوْصَلَهُ اللَّهُ إلَى الْعَدُوِّ إيصَالًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ: كَانَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْصَلَهُ بِقُدْرَتِهِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ) فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ هَلُوعًا لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَبْدُ؛ وَلَا أَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ وَلَا أَنَّ اللَّه حَالٌّ فِي الْعَبْدِ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَقٌّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْخَلْقَ حَالٌّ فِي الْمَخْلُوقِ أَوْ وُجُودُهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ بَاطِلٌ. وَهَؤُلَاءِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ الْقَوْلِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَهَذَا عَيْنُ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ.