وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَزُولُ شُبَهٌ كَثِيرَةٌ وَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ النُّصُوصِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ يُعَاقَبُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ؛ بَلْ أَضْمَرَتْ الْكُفْرَ قَالَ تَعَالَى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وَقَالَ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وَقَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} فَالْمُنَافِقُ لَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نِفَاقِهِ وَمَا أَضْمَرَهُ كَمَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} ثُمَّ قَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} وَهُوَ جَوَابُ قِسْمٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَاَللَّهِ لَتَعْرِفَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ فَمَعْرِفَةُ الْمُنَافِقِ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ لَا بُدَّ مِنْهَا وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ بِالسِّيمَا فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَشِيئَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} خَبَرًا مِنْ اللَّهِ؛ لَيْسَ فِيهَا إثْبَاتٌ إيمَانٍ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا كَمَا {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُمَا قَوْلُهُ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلَى آخِرِهَا. وَكَلَامُ السَّلَفِ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ تُنْسَخْ وَلَكِنَّ اللَّهَ إذَا جَمَعَ الْخَلَائِقَ يَقُولُ: إنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute