وَإِنْ أَرَادَ الِاتِّحَادَ الْمُقَيَّدَ) : فَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ إذَا اتَّحَدَا فَإِنْ كَانَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ اثْنَيْنِ - كَمَا كَانَا قَبْلَ الِاتِّحَادِ - فَذَلِكَ تَعَدُّدٌ وَلَيْسَ بِاتِّحَادِ. وَإِنْ كَانَا اسْتَحَالَا إلَى شَيْءٍ ثَالِثٍ - كَمَا يَتَّحِدُ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ وَالنَّارُ وَالْحَدِيدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُثْبِتُهُ النَّصَارَى بِقَوْلِهِمْ فِي الِاتِّحَادِ - لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَتْ حَقِيقَتُهُ كَسَائِرِ مَا يَتَّحِدُ مَعَ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَحِيلَ. وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يُنَزَّهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ مَا كَانَ مَوْجُودًا وَالرَّبُّ تَعَالَى وَاجِبُ الْوُجُودِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ يَمْتَنِعُ الْعَدَمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ صِفَاتِ الرَّبِّ اللَّازِمَةَ لَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ فَعَدَمُ شَيْءٍ مِنْهَا نَقْصٌ يَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ: يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِ الرَّبِّ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْعَبْدِ الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُهُ الْحُدُوثُ وَالِافْتِقَارُ وَالذُّلُّ. وَالرَّبُّ تَعَالَى يُلَازِمُهُ الْقِدَمُ وَالْغِنَى وَالْعِزَّةُ وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - قَدِيمٌ غَنِيٌّ عَزِيزٌ بِنَفْسِهِ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ نَقِيضُ ذَلِكَ فَاتِّحَادُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُتَّصِفًا بِنَقِيضِ صِفَاتِهِ: مِنْ الْحُدُوثِ وَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَالْعَبْدُ مُتَّصِفًا بِنَقِيضِ صِفَاتِهِ مِنْ الْقِدَمِ وَالْغِنَى الذَّاتِيِّ وَالْعِزِّ الذَّاتِيِّ وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute