للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ شَرْعًا وَعَقْلًا؛ فَإِنَّ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ بِأُمُورِ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُمْ فَكَيْفَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ. وَلَكِنَّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا مِنْهُ مَا هُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّ الْبَاطِلَ جَحَدَهُمْ مَا جَحَدُوهُ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ إلَّا فِي جَنَّةِ الْعِلْمِ وَهُبُوطُهُ انْخِفَاضُ دَرَجَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَهَذَا كَذِبٌ؛ وَلَكِنْ مَا أَثْبَتُوهُ مِنْ الْحَقِّ حَقٌّ وَقِصَّةُ آدَمَ تَدُلُّ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الصُّوفِيَّةُ الْإِشَارَةَ؛ لَا أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ؛ لَكِنْ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ عُوقِبَ بِأَنْ يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَفْهَمُ الْعِلْمَ أَوْ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَدُوُّهُ وَيَجِدُ ذُلًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ الْيَهُودِ: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} . وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَذَّةَ الْعِلْمِ أَعْظَمُ اللَّذَّاتِ و " اللَّذَّةُ " الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ هِيَ لَذَّةُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَالْعَمَلِ لَهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ. وَأَيْضًا فَنَفْسُ الْعِلْمِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُبٌّ لَهُ وَعِبَادَةٌ لَهُ بَلْ كَانَ مَعَ حُبٍّ لِغَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَإِنَّ عَذَابَ هَذَا قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ كَمَالَ اللَّذَّةِ إلَّا فِي نَفْسِ الْعِلْمِ.