{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} فَالْقِيَامُ بِالْقِسْطِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْعَدْلُ وَيَكُونُ فِي الْفِعْلِ. فَإِذَا قِيلَ: شَهِدَ {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أَيْ: مُتَكَلِّمًا بِالْعَدْلِ مُخْبِرًا بِهِ آمِرًا بِهِ: كَانَ هَذَا تَحْقِيقًا لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَقِسْطٍ وَهِيَ أَعْدَلُ مِنْ كُلِّ شَهَادَةٍ كَمَا أَنَّ الشِّرْكَ أَظْلَمُ مِنْ كُلِّ ظُلْمٍ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ أَعْظَمُ الشَّهَادَاتِ. وَقَدْ ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَذَكَرَ ابْنُ السَّائِبِ: {أَنَّ حَبْرَيْنِ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ قَدِمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَاهُ بِالصِّفَةِ فَقَالَا: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَا: وَأَحْمَد؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَا: نَسْأَلُك عَنْ شَهَادَةٍ فَإِنْ أَخْبَرْتنَا بِهَا آمَنَّا بِك. فَقَالَ: سَلَانِي. فَقَالَا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ} . وَلَفْظُ " الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ " كَمَا يَتَنَاوَلُ الْقَوْلَ يَتَنَاوَلُ الْعَمَلَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: بشهد وَهُوَ قَائِلٌ بِالْقِسْطِ عَامِلٌ بِهِ لَا بِالظُّلْمِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَضَمَّنَتْ قَوْلًا وَعَمَلًا فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ فَيُعْبَدُ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَأَنَّ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَحْدَهُ هُمْ الْمُفْلِحُونَ السُّعَدَاءُ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ بِهِ فِي النَّارِ فَإِذَا شَهِدَ قَائِمًا بِالْعَدْلِ الْمُتَضَمِّنَ جَزَاءَ الْمُخْلَصِينَ بِالْجَنَّةِ وَجَزَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute