للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَصَائِبُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} . فَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ جَعَلَ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَفِعْلَ مَا بُعِثَ بِهِ: مُسَبِّبًا لِشَرِّ أَصَابَهُ: إمَّا مِنْ السَّمَاءِ. وَإِمَّا مِنْ آدَمِيٍّ. وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ. لَمْ يَقُولُوا " هَذِهِ مِنْ عِنْدِك " بِمَعْنَى: أَنَّك أَنْتَ الَّذِي أَحْدَثْتهَا. فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ " مِنْ عِنْدِك " خِطَابًا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ. بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ فَهِمَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} بَلْ هُوَ مُحَقِّقٌ لَهُ. لِأَنَّهُمْ - هُمْ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - يَجْعَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَالْعَمَلُ بِهِ: سَبَبًا لِمَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْ مَصَائِبَ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَكَانُوا تَارَةً يَقْدَحُونَ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَيَقُولُونَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ: لَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِهِ هَذَا الْبَلَاءُ.