وَكُلُّ كَلَامٍ لِهَؤُلَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ أَصْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى إثْبَاتِ التَّعَدُّدِ. فَإِنْ قَالُوا: الْوُجُودُ وَاحِدٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ اشْتَرَكَتْ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ فَهَذَا صَحِيحٌ؛ لَكِنَّ الْمَوْجُودَاتِ الْمُشْتَرِكَاتِ فِي مُسَمَّى الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ وُجُودُ هَذَا عَيْنَ وُجُودِ هَذَا بَلْ هَذَا اشْتِرَاكٌ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ الْكُلِّيِّ كَالِاشْتِرَاكِ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ اسْمَ الْجِنْسِ وَيُقَسِّمُهَا الْمَنْطِقِيُّونَ إلَى جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَفَصْلٍ وَخَاصَّةٍ وَعَرَضٍ عَامٍّ. فَالِاشْتِرَاكُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ: هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَبَايُنِ الْأَعْيَانِ وَكَوْنُ أَحَدِ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَيْسَ هُوَ الْآخَرَ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ وُجُودَ الْحَقِّ مُبَايِنٌ لِوُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ مُبَايَنَةِ هَذَا الْمَوْجُودِ لِهَذَا الْمَوْجُودِ فَإِذَا كَانَ وُجُودُ الْفَلَكِ مُبَايِنًا مُخَالِفًا لِوُجُودِ الذَّرَّةِ وَالْبَعُوضَةِ؛ فَوُجُودُ الْحَقِّ تَعَالَى أَعْظَمُ مُبَايَنَةً لِوُجُودِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ مُبَايَنَةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ لِوُجُودِ مَخْلُوقٍ آخَرَ. وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ بُطْلَانَ قَوْلِ ذَلِكَ الشَّيْخِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَعْرِفُ التَّوْحِيدَ إلَّا الْوَاحِدُ وَلَا تَصِحُّ الْعِبَارَةُ عَنْ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِغَيْرِ وَمَنْ أَثْبَتَ غَيْرًا فَلَا تَوْحِيدَ لَهُ. فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ - مَعَ كُفْرِهِ - مُتَنَاقِضٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا يَعْرِفُ التَّوْحِيدَ إلَّا وَاحِدٌ) يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ وَاحِدًا يَعْرِفُهُ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْرِفُهُ هَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَإِثْبَاتُ اثْنَيْنِ أَحَدِهِمَا يَعْرِفُهُ وَالْآخَرِ لَا يَعْرِفُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute