هَذَا الْخِطَابِ بِالْعُمُومِ، وَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى. بِخِلَافِ قَوْلِهِ {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} فَإِنَّ هَذَا لَهُ خَاصَّةٌ. وَلَكِنْ مَنْ يُبَلِّغُ عَنْهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً} وَقَالَ {نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأَ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ} وَقَالَ {لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ} وَقَالَ {إنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ {وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} . وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ " الْحَسَنَةَ " مُضَافَةٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. و " السَّيِّئَةَ " مُضَافَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَلَقَهَا. كَمَا خَلَقَ " الْحَسَنَةَ " فَلِهَذَا قَالَ {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهَا لِحِكْمَةِ. وَلَا تُضَافُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ، بَلْ تُضَافُ إلَى النَّفْسِ الَّتِي تَفْعَلُ الشَّرَّ بِهَا لَا لِحِكْمَةِ. فَتَسْتَحِقُّ أَنْ يُضَافَ الشَّرُّ وَالسَّيِّئَةُ إلَيْهَا. فَإِنَّهَا لَا تَقْصِدُ بِمَا تَفْعَلُهُ مِنْ الذُّنُوبِ خَيْرًا يَكُونُ فِعْلُهُ لِأَجْلِهِ أَرْجَحَ. بَلْ مَا كَانَ هَكَذَا فهو من بَابِ الْحَسَنَاتِ. وَلِهَذَا كَانَ فِعْلُ اللَّهِ حَسَنًا. لَا يَفْعَلُ قَبِيحًا وَلَا سَيِّئًا قَطُّ. وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذَا سَيِّئَاتُ الْجَزَاءِ وَالْعَمَلِ. لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} و {مِنْ سَيِّئَةٍ} النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ، كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ نَفْسِهِ - لِأَنَّهُ أَذْنَبَ - فَالذَّنْبُ مِنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَالسَّيِّئَاتُ مِنْ نَفْسِهِ بِلَا رَيْبٍ. وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْحَسَنَةِ بِقَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute