للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} ثُمَّ قَالَ {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . وَهُنَا اشْتَرَطَ الْأَمْرَيْنِ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَأَنْ يَقُولَ صَوَابًا وَالْمُسْتَثْنَى يَتَنَاوَلُ مَصْدَرَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ كَمَا تَقُولُ: لَا يَنْفَعُ الزَّرْعُ إلَّا فِي وَقْتِهِ. فَهُوَ يَتَنَاوَلُ زَرْعَ الْحَارِثِ وَزَرْعَ الْأَرْضِ لَكِنْ هُنَا قَالَ {إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ. فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَ هَذَا مَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ هَذَا. وَإِنَّمَا قَالَ {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَانَ الْمَعْنَى: لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا هَذَا النَّوْعُ فَإِنَّهُمْ تَنْفَعُهُمْ الشَّفَاعَةُ. وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهَا تَنْفَعُ الشَّافِعَ وَالْمَشْفُوعَ لَهُ. وَإِنْ جُعِلَ فِيهِ حَذْفٌ - تَقْدِيرُهُ: لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا شَفَاعَةَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ - كَانَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إلَى النَّوْعَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ يُضَافُ إلَى بَعْضِهِمْ لِكَوْنِهِ شَافِعًا وَإِلَى بَعْضِهِمْ لِكَوْنِهِ مَشْفُوعًا لَهُ وَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} أَيْ مَنْ يُؤْمِنُ. و {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} أَيْ مِثْلُ دَاعِي الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِقِ أَوْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ مَنْعُوقٍ بِهِ أَيْ الَّذِي ينعق بِهِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ. فَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْصَحِ الْكَلَامِ: إيجَازُهُ دُونَ الْإِطْنَابِ فِيهِ.