للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَاتَيْنِ الشَّفَاعَتَيْنِ مُخْتَصَّتَانِ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَشْفَعُ غَيْرُهُ فِي الْعُصَاةِ. فَقَوْلُهُ {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} يَدْخُلُ فِيهَا الشَّفَاعَةُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ عُمُومًا وَفِي أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِي الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعَذَابِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ وَتِلْكَ: لَمْ يَذْكُرْ الْعَمَلَ. إنَّمَا قَالَ {وَقَالَ صَوَابًا} وَقَالَ {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} لَكِنْ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ " الْقَوْلَ الصَّوَابَ الْمَرَضِيَّ " لَا يَكُونُ صَاحِبُهُ مَحْمُودًا إلَّا مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكِنَّ نَفْسَ الْقَوْلِ مَرْضِيٌّ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} .

وَقَدْ ذَكَرَ البغوي وَأَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا فِي قَوْلِهِ {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قَوْلَيْنِ. أَحَدَهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الشَّافِعُ. وَمَحَلُّ " مَنْ " الرَّفْعُ. وَالثَّانِيَ: هُوَ الْمَشْفُوعُ لَهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بـ {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} آلِهَتَهُمْ. ثُمَّ اسْتَثْنَى عِيسَى وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَةَ. فَقَالَ {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بِقُلُوبِهِمْ مَا شَهِدُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ قتادة.